أربكتها الإصدارات الخاصة والأزمة المالية العالمية ومستجدات «الميديا»
شاب يطالع صحيفة مصرية في القاهرة («الشرق الاوسط»)
القاهرة: عبد الستار حتيت
«عدد قراء الصحف اليومية ثابت رغم صدور صحف جديدة»، «الصحف الجديدة لم تخلق قراء جددا، وبالتالي لا تربح، فمن أين تأتي بنفقاتها»، «لماذا يصدر مزيدٌ من الصحف اليومية طالما أن المُعلنين لا يزيدون بل تتراجع قيمة ما يسددونه للصحف»، «لماذا لا تكون هناك آلية تصدر بشكل دوري أرقام توزيع الصحف ومصادر تمويلها ووجهة إنفاقها».. مثل هذه الأسئلة التي أصبحت معلقة في سماء الإعلام بالعاصمة المصرية أصبحت تشغل العديد من المهتمين بمهنة الصحافة الورقية خاصة اليومية منها، على خلفية انكماش في القراء والإعلانات وكذلك على خلفية تساؤلات حول مصادر تمويل الصحف. ويعود كل ذلك لعدة أسباب منها تزايد الإصدارات الخاصة، وتأثير الأزمة المالية العالمية على الشركات التجارية التي تعتبر الرافد الأساسي للإعلانات المدفوعة، إضافة لمتابعة الصحف المصرية التقليدية للأخبار والأحداث، دون تغيير في الأساليب العصرية التي تجعل من الصحافة الورقية مادة جذابة ومختلفة عن ما تقدمه «الميديا» الحديثة على الانترنت والفضائيات. ويصدر في مصر ثلاثة أنواع من الصحف اليومية، الأول: الصحف التي يُطلق عليها «القومية» كونها مملوكة لمجلس الشورى ويبلغ عددها 7 صحف. وتعتبر بشكل عام صحفا شبه رسمية بالدولة. والثاني: صحف تصدرها أحزاب معارضة منها اثنتان فقط تصدران بشكل يومي، والثالث: صحف يصدرها القطاع الخاص، ويزيد عددها باضطراد منذ بداية الألفية الجديدة حيث وصلت الآن إلى 8 صحف ، لكن مستقبل كل هذه الصحف أصبح على المحك..
سمير رجب الذي شغل لوقت طويل رئاسة مجلس إدارة مؤسسة دار التحرير، رئيس التحرير السابق لصحيفة الجمهورية اليومية، وهي واحدة من أهم خمس مؤسسات صحافية قومية في مصر، قال إن أحد التحديات التي تواجهها الصحافة المصرية ثبات عدد القراء وعدم قدرتها على خلق قراء جدد، مشيرا إلى أن السبب يرجع إلى أن «القارئ المصري غير محب للقراءة.. نسبة الأمية ما زالت مرتفعة، والصحف القومية لم تعد تقدم جديدا، ما يضطر القارئ للجوء للصحف الخاصة، وأصبحت هذه الأخيرة تستنزف من رصيد الصحف القومية، لأن القارئ يجد في الصحيفة الخاصة ما يثير انتباهه وما يشد اهتمامه».
ويشغل سمير رجب في الوقت الحالي رئاسة مجلس الإدارة ورئاسة تحرير جريدة 24 ساعة اليومية المجانية (خاصة)، ويقول إنه يعتمد بشكل كامل على الإعلانات في تمويل صحيفته، لكن هذا لا ينفي أن هناك العديد من الصحف الخاصة اليومية الأخرى التي تباع في الأسواق، تكاد تخلو من أي إعلانات على مدار عدة أعداد تصل لأيام وأسابيع وأحيانا لشهور، ومع ذلك تستمر في الصدور.. وقال رجب: «هذه الصحف تجتهد إلى حد ما لتحصل على إعلانات، وإلا ما كانت لتصدر.. أما إذا كانت هناك أشياء تحت الترابيزة، فلا أحد يعلم عن ذلك شيئا إلا الله». ويفسر البعض السر في قدرة صحف خاصة على الاستمرار في الإنفاق على نفسها بأنها تعتمد على وديعة مالية في البنك تنفق من أرباحها، لكن سمير رجب أوضح، بحسب رأيه وخبرته، أن «هذا لا يكفي، لأن الوديعة حتى لو كانت مليون جنيه، أو حتى 50 مليون جنيه، فلن تستطيع الإنفاق على الصحيفة يوميا.. خاصة المصروفات الإدارية والتجهيزات والطباعة وغيرها، ولذلك الإعلانات مهمة جدا، لكن المشكلة هو أن قيمتها المالية ثابتة، وتوزع على كل الصحف.. وبالتالي فإن حصيلة الإعلانات لا تزيد.. نفترض مثلا أن شركة ما تخصص مبلغا معينا للدعاية، فإن هذه الحصة تتوزع على الصحف القديمة والجديدة أيضا، وأصبح من كان يحصل على 10 آلاف جنيه، يحصل على 3 آلاف، ومن كان يحصل على 4 آلاف أصبح يأخذ ألفا..».
ورغم ما مر عليها من أنواء وأعاصير، بسبب خلافات سياسية داخل الحزب، إلا إن صحيفة الوفد اليومية بـ«ترويستها» الخضراء الشهيرة، والناطقة بلسان حزب الوفد الليبرالي المعارض، تمكنت من الاستمرار، ويرى رئيس تحريرها عباس الطرابيلي، أن قضية الصحافة اليومية في مصر أخطر من مجرد موضوع صدور مطبوعات جديدة وتأثيرها في السوق الصحافي، قائلا.. «إذا كان عدد سكان مصر تخطى الثمانين مليون نسمة، فإن نسبة القراء لم تزد كثيرا.. أعني أن عدد القراء في مصر نحو مليون و200 ألف فقط، من بين 80 مليون نسمة.. هذا نتج عنه كارثة توزيعية في الصحف، أي عدم زيادة أرقام التوزيع، وقابل هذا زيادة عدد المطبوعات.. أعني أنه بالمقارنة بين عدد الصحف في مصر منذ ثلاثين سنة وعدد الصحف اليوم، لم تعد هناك صحف توزع الأرقام القديمة، مثلا أخبار اليوم الأسبوعية كان توزيعها يتعدى المليون نسخة، واليوم لا يزيد توزيعها على 250 ألف نسخة، والأهرام نفس العملية، هذا يعني أن الصحافة مقبلة على كارثة توزيعية، خصوصا في العام الحالي الذي يصاحب الأزمة المالية العالمية وانخفاض التوزيع، مع انخفاض الإعلانات: كل هذا سيضرب الصحافة المصرية في مقتل».
وعدَّد الطرابيلي مخاطر أخرى تتعرض لها الصحافة الورقية اليومية ذات التاريخ الموغل في القدم في البلاد، وهو «ظهور الصحافة الالكترونية واعتماد جزء كبير من القراء خاصة المثقفين منهم على الانترنت.. من يريد قراءة مقال.. من يريد قراءة خبر، يدخل على الانترنت، ولا يشتري الجريدة الورقية، أضف إلى ذلك انتشار القنوات الفضائية الإخبارية والحوارية التي تجعل الكل على علم بجميع ما حدث طيلة النهار، ولذلك أرى أن صدور صحف ورقية جديدة في السوق سيفاقم أزمة التوزيع ويضرب الصحافة المصرية في مقتل».
الطرابيلي تساءل قائلا: «حين تصدر صحيفةيومية جديدة للسوق وتطبع 100 ألف نسخة، فالسؤال هو: على توزيع كم نسخة منها هي قادرة؟ توزيع 5 آلاف فقط؛ هذه كارثة، إلى متى تتحمل خسائر التوزيع.. من الممكن أن تتحملها 3 أشهر. لكن السؤال الأهم من هذا هو: ماذا أضافت هذه الصحيفة الجديدة للصحافة المصرية؟.. هذه نقطة مهمة جدا يمكن الرد عليها بالقول إن التعدد يخلق المنافسة والرواج، إنما لا أعتقد أن هذا سيحدث في السوق المصرية بشكل مباشر».
وأوضح الطرابيلي أن المطلوب من الصحافة اليومية المصرية أن تغير أسلوب التحرير والتعاطي مع الأخبار.. «بحيث تقدم للقارئ خدمة لا يمكن أن يصل إليها عبر الفضائيات أو الانترنت.. الجري وراء الخبر لم يعد هو العنصر الأساسي، وإنما أصبحت القصة الخبرية هي العنصر الأساسي التي بها مجال للمنافسة، يعني لو خرجت في مصر صحيفة جديدة تهتم كثيرا بالقصة الخبرية وليس بالخبر وحده، هنا يمكن أن نقول إن هذه صحافة جديدة» يمكن أن تجتذب قراء جددا.
وحذر رئيس تحرير الوفد من خطورة وجود «انتماءات معينة» لبعض الصحف حديثة العهد، مع عدم وضوح مصادر تمويلها.. «القضية أخطر من موضوع التوزيع أو عدد المطبوعات، القضية هي الانتماء.. هل الانتماء واضح للوطن، هذه نقطة خطيرة»، متسائلا عن أهمية معرفة الوضع المالي للصحيفة، وما هو مكسبها.. «اللهم إلا إذا كان وراءها ممول خارجي أو رأسمالي داخلي كبير»، مشيرا إلى أن الصحافة في مصر الآن تعتمد على ثلاثة مصادر: الحكومة بما تقدمه من دعم للصحف القومية اليومية، والثاني: الصحافة الحزبية التي تعتمد على حزب يمولها، إنما الخطر هو العنصر الثالث: الصحافة الخاصة التي من الضروري أن تعتمد على ممول قوي.. و«أحيانا يتصادف أن هذا الممول أجنبي، ظاهر أو كامن، له أجندات خاصة، أو مستثمر قوي في الداخل هدفه دعم اتجاهاته الاقتصادية والسياسية، خصوصا بعد امتزاج السياسة برجال الأعمال (..) نحن نعاني من سطوة رجال الأعمال على الإعلام. وتخضع صحيفة الوفد لمراقبة الجهاز المركزي للمحاسبات وكذلك باقي الصحف الحزبية والصحف القومية، كون أموالها أموالا عامة، إلا إن الصحف الخاصة لا يوجد لها آلية لإظهار تمويلها أو عدد توزيعها ومصروفاتها وإيراداتها، ووضعها في السوق».. وقال الطرابيلي إنه «حتى الآن لا توجد آلية واضحة لكل هذا، بدليل أن بعض الصحف الخاصة رفعت قضية على الدولة عندما أرادت الدولة أن تفرض عليها نظام محاسبي معين للتأكد من مصادر تمويلها»، مشددا على ضرورة إيجاد آلية مراقبة لهذا الغرض.
مالك صحيفة «المصري اليوم» اليومية، صلاح دياب، قال إن صحيفته أصبحت ثالث صحيفة في عدد التوزيع على مستوى الصحف اليومية بمصر، مشيرا، فيما يتعلق بالصحف اليومية الخاصة الجديدة التي تأسست بعد المصري اليوم رغم ثبات عدد القراء وثبات حجم الإعلانات، بقوله إن «مصر تحتاج إلى نوعية مختلفة من الصحافة الجديدة التي تتماشى مع متطلبات العصر من حيث التحرير والإخراج وغيرها من العناصر المهمة لإصدار مطبوعة يومية، وليس مجرد إصدار مزيد من الأعداد من الصحف»، وأضاف دياب فيما يتعلق بتمويل صحيفته، خاصة مع مطالبة البعض بأن تعلن الصحف الخاصة عن مصادر تمويلها، بقوله: «نحن تمويلنا واضح، وقائم على الإعلانات». وعن رؤية البعض الآخر في الوسط الصحافي لحاجة الصحف المصرية بشكل عام إلى آلية تعلن من خلالها وبشكل دوري عن أرقام توزيعها وعن مصادر تمويلها وإنفاقها، قال مالك «المصري اليوم»: إن «هذا المطلب هو أضعف الإيمان.. هذا أمر مطلوب، ومن المفترض أن يكون أمرا قائما.. من المفروض تكون هناك آلية تتيح كل هذا للجميع». ومن الصحف اليومية الخاصة حديثة الولادة، التي بدأت تستشعر وجود مشكلة مالية لديها، صحيفة البديل ذات التوجه اليساري.. وقال مستشار التحرير بها، مدحت الزاهد، إن جريدة البديل بها نحو 70 مساهما، وبالتالي تأتي لحظات، وهذا حدث من قبل، بأن يطلبوا من المساهمين زيادة حصة رأس المال.. أو توسيع الجمعية العمومية لإضافة مساهمين جدد.. «المشكلة أن الصحف حديثة التأسيس لا تحقق أرباحا لمدة سنتين أو ثلاث أو أربع، مثلما حدث مع صحف خاصة صدرت قبل البديل»، وأضاف: «لا أريد أن أقول إن هذه الصحف تخسر خلال السنوات الأولى من التأسيس، ولكن هذا الإنفاق (بلا عائد) يعتبر مصاريف تأسيس، وبعد ثلاث أو أربع سنوات يمكن أن تؤتي ثمرا.. هذا قانون يسري على جميع الإصدارات الجديدة وعادة يكون محسوبا في دراسات الجدوى، لكن ما يُحدث فرقا هو أشياء أخرى مختلفة منها الأزمة المالية العالمية التي لها تأثير سلبي على توزيع الصحف، كما أن عدد القراء في السوق لا يزيد.. الصراع يدور على نفس كتلة القراء، وعلى الأغلب هذا الصراع يكون على حساب توزيع الصحف (الحكومية) القومية».