إعلان القيروان: دعوة للتعايش السلمي بين الأديان
القيروان ـ العرب اونلاين: في نفس اليوم ونفس الساعة التي كان فيها الرئيس الأمريكي الجنسية الكيني الأصل يحاول من القاهرة ترميم صورة أمريكا المهشمة لدى الرأي العام العربي والإسلامي كانت مدينة القيروان الإسلامية تخط بأيدي نخبة من الشخصيات السياسية والدينية والفكرية، نص بيان يدعوإلى إرساء مقومات التعايش السلمي بين المجتمعات والثقافات والأديان في أعقاب مؤتمر دولي حول حوار الحضارات والتنوع الثقافي الملتئم بالقيروان من 2 إلى 4 يونيو/ حزيران والذي ما انفكت تدعوإليه تونس لإحلال السلام بدل النزاع والصراع في العالم.
وفضلت النخبة الموقعة على نص البيان بتسميته بـ"إعلان القيروان" على غرار إعلان قرطاج للتسامح الثقافي والديني الذي صدر من تونس عام 1995 الذي رفض كل أشكال النزاع الهيمنة ومحاولات طمس هوية الشعوب.
من القيروان منبت الحضارة العربية الإسلامية في شمال إفريقيا جاءت هذه الدعوة "إن الثقافات والأديان مدعوة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى الحوار الدائم وتعزيز التعايش وإثراء بعضها بعضا بعيدا عن كل توتر أواستعلاء وان حوار الحضارات يجب أن ينطلق من نقاط الالتقاء بدل أوجه الاختلاف في إطار الالتزام بالموضوعية واحترام الآخر.
إعلان القيروان إلى الابتعاد الكامل عن تشويه صورة الآخرين وازدراء أديانهم ومعتقداتهم ورموزهم الدينية وعدم المس بخصوصياتهم الثقافية مؤكدا ان حوار الحضارات المنشود هوالذي يتأسس على القيم الإنسانية المشتركة ومبادئ الحق والعدل واحترام حقوق الإنسان والتسامح والمواطنة والديمقراطية ويفسح المجال واسعا أمام تفاهم الشعوب.
ومثلما أكده المشاركون في هذا المؤتمر من ممثلي المنظمات الإقليمية والدولية وشخصيات سياسية ودينية وفكرية مرموقة وبارزة شكل اختيار القيروان عاصمة الثقافة الإسلامية لسنة 2009 مكانا لعقد هذا المؤتمر اعترافا بدورها الرائد والعريق في بناء جسور التواصل والحوار والتسامح والسلام بين الشرق والغرب وتكريما لتونس التي حرصت على احتضان عدة مؤتمرات وندوات حول الحوار بين الحضارات والثقافات والأديان بالتعاون مع المنظمات الإقليمية والدولية المختصة.
وفي هذا السياق جاءت توصيات إعلان القيروان منسجمة بل وعاكسة لمواقف تونس ومبادرات رئيسها في مجال حوار الحضارات والثقافات والأديان ذلك أن مؤتمر القيروان قد اعتمد كلمة الرئيس زين العابدين بن علي الافتتاحية وثيقة مرجعية للمؤتمر لما تضمنته من تحليل عميق للوضع الدولي الراهن وما أثارته من قضايا وما طرحته من أفكار تسموإلى انشغال إنساني رشيد بضرورة توحيد الجهود إلى تأسيس شراكة دولية للحوار والتعاون والسلم والتنمية يكرس التواصل بين جميع الأمم.
وفي تأكيد لهذا الدور البارز كان مجلس وزراء خارجية منظمة المؤتمر الإسلامي المنعقد بدمشق في شهر ماي الماضي قد نوه بمواقف تونس في مجال حوار الحضارات والأديان وأيد في هذا الاتجاه ترشيح تونس عاصمة إسلامية لحوار الحضارات.
ويلاحظ المتابعون لسياسة تونس ومقارباتها مثابرتها تونس مع أعضاء المجموعة الدولية على اعتماد سبيل الحوار والتعاون لاسيما في ظل ما يعيشه العالم في مطلع هذه الألفية من تحولات عميقة وتحديات جسيمة خصوصا منذ ظهور الأزمة المالية والاقتصادية علاوة على تفاقم الفروق الاقتصادية والثقافية والاتصالية والعلمية والتكنولوجية التي تفصل بين البلدان المتقدمة والبلدان النامية.
ومن هنا تأتي أهمية توقيت انعقاد مؤتمر القيروان وما صدر عنه من نداءات وتوصيات. ذلك أن حجم المشاكل القائمة وخطورتها تدعوملثما أشار إلى ذلك الرئيس بن علي إلى الإسراع بتوحيد جهود المجتمع الدولي لدخول مرحلة جديدة من التعاون تقر بكونية القضايا الإنسانية المطروحة وعدم تفضيل إحداها على الأخرى.
كما أكد لدى افتتاحه مؤتمر القيروان الدولي إن العالم في حاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى "تأسيس شراكة دولية للحوار والتعاون والسلم والتنمية تكرس التواصل بين جميع الأمم في كل مكان بقطع النظر عن اللون أوالجنس أوالدين أواللغة."وجدد الرئيس بن علي في ذات الإطار رفضه القطعي للنزعة العنصرية التي تروج لوجود أجناس "راقية" وأجناس متخلفة" ولثقافات "مبدعة" وثقافات "عقيمة" ولدين "سلمي" ودين "عنفي" مؤكدا أن الرقي والتخلف نسبيان يرتبطان بعوامل تاريخية وسياسية واجتماعية واقتصادية لها صلة بواقع كل أمة وظروفها في مرحلة من المراحل.
وتحرص تونس على إرساء وترسيخ مقومات متينة وأسس صلبة للحوار بين الحضارات والديانات والثقافات حتى لا يكون هذا الحوار مجرد شعار يرفع أومجرد دعوات "عقيمة" تظل مثبتة على الورق ومن هذا المنطلق تنادي تونس إلى أن يعمل كل بلد على استهداف التربية على ثقافة الحوار والتسامح وحقوق الإنسان في مناهج التربية والتعليم وفي أنشطة النسيج الجمعياتي وفي برامج أجهزة الإعلام والاتصال ولدى الشباب والمرأة وذلك من اجل ترسيخ هذه الثقافة في العلاقات وجعلها قناعة ثابتة في التفكير والسلوك.
وفي هذا الاتجاه يذكر أن تونس قامت منذ أوائل تسعينات القرن الماضي بإصلاح مناهج التربية والتعليم خدمة لهذا التوجه وأحدثت كرسيا جامعيا لحوار الحضارات والأديان ورصدت جائزة عالمية للتضامن وجائزة عالمية لتشجيع الدراسات الإسلامية التي تروج للاعتدال والوسطية والفكر المستنير كما بادرت إلى احتضان عديد اللقاءات والندوات الإقليمية والدولية حول حوار الحضارات والتضامن الدولي صدرت عنها مجموعة قيمة من العهود والنداءات في الغرض.
وتعتبر المقاربة التونسية في المجال أن مظاهر الفقر والأمية والبطالة والعزلة والتهميش تقوم اليوم عائقا كبيرا أمام البلدان النامية وتمنعها من الأخذ بأسباب الرقي والمناعة وتمثل على المدى البعيد عائقا أمام استتباب الأمن والسلام في العالم لذلك ما فتئت القيادة في تونس تدعوإلى استهداف هذه المظاهر لمعالجة أوضاعها والقضاء على أسبابها مؤكدة ضرورة إسراع المجموعة الدولية بإدراج هذه المسالة في سياساتها واختياراتها تفعيلا لمشاعر التضامن الإنساني ولمعالجة هذه الأوضاع والتعاون على التقليص من حدتها قدر الإمكان.
وفي هذا المجال كانت تونس دوما سباقة في الدعوة إلى تضامن دولي وثيق وفعال قولا وفعلا لمقاومة المخاطر التي تهدد الإنسان في كيانه وكرامته وحرمته فهي التي بادرت في هذا المجال إلى الدعوة إلى إنشاء صندوق عالمي للتضامن تبنته منظمة الأمم المتحدة منذ سنوات وذلك قصد الإسهام في القضاء على الفروق بين الشعوب ودعم التكافل والتضامن بينها.
وان النقاش الهام الذي دار في المؤتمر الدولي للقيروان حول مرجعية القانون الدولي يعكس في جزء كبير منه حرص تونس الثابت على أن يكون هذا القانون المرجع الأساسي الذي تحتكم إليه المجموعة الدولية وتعتمد عليه في تأمين مقومات السلم والتعايش في العالم وذلك في ظل إيمانها بان احترامه من قبل الجميع شرط لازم لنجاح أي حوار جاد بين الحضارات والثقافات.
كما تعد دعوة "إعلان القيروان من أجل تعزيز حوار الحضارات واحترام التنوع الثقافي" إلى وضع معايير وآليات دولية للتصدي لتشويه صورة الآخر في وسائل الإعلام وإنشاء مراصد تعنى بالتصدي للصور النمطية والأفكار المسبقة حول مختلف الثقافات والحضارات والأديان تجاوبا وانسجاما مع رفض تونس القاطع إلى تعمد بعض وسائل الإعلام والاتصال في العالم إلى نشر أخبار تسيء إلى الأديان والثقافات الأخرى ورموزها وتكرس صورة نمطية خاطئة لأمة بأسرها بما من شأنه أن يصدم الضمائر ويغذى مشاعر الحقد والكراهية لدى المتطرفين في كلا الجانبين وهوما عبر عنه الرئيس بن علي في افتتاح مؤتمر القيروان.
كما أن تونس بقدر تثمينها بفرص التلاقي والتخاطب التي تتيحها تكنولوجيات المعلومات والاتصال الحديثة ولاسيما منها الانترنت فإنها تعمل على عدم استغلال هذه التكنولوجيات في تعميق الفروق والاختلافات بين البلدان وعلى تغليب الجانب الأخلاقي في استخدامها حتى تسهم في إشاعة الاحترام المتبادل بين جميع الشعوب والحضارات والثقافات والأديان وفي التفتح عليها والتعريف بها وتكريس التبادل معها خدمة للتفاهم والسلام في العالم.
وفي هذا السياق يعكس تأكيد إعلان القيروان على حسن الالتزام بتطبيق اتفاقية اليونسكولحماية أشكال التعبير الثقافي وتعزيزها والإعلان الإسلامي حول التنوع الثقافي إيمان تونس بان احترام هويات الشعوب وخصوصياتها هوالإطار الأمثل لقيام حوار متوازن ومتكافئ بين الحضارات والثقافات والأديان فالرئيس بن علي ما فتئ يؤكد ان التنوع الثقافي بتعدد روافده وغزارة مضامينه لا بديل عنه لإثراء الحضارة البشرية وان الاختلاف لا يمكن له أن يكون مبررا للإلغاء والإقصاء بقدر ما يجب أن يكون مجالا رحبا للتنوع والثراء.
وهوالذي قال أيضا أن الإصرار على الترويج لثقافة نمطية واحدة تعمم على البشرية جمعاء هوتعسف على الواقع والتاريخ من شأنه أن يحرم الثقافة الإنسانية من تعدد إبداعاتها ومكاسبها ويمهد السبيل لانتشار نزعات التعصب والتطرف بدل التفاهم والوئام.
ويمثل المؤتمر الدولي حول "حوار الحضارات والتنوع الثقافي" الملتئم بالقيروان بالتأكيد محطة أخرى هامة تضاف إلى رصيد تونس من اجل تكريس الحوار والتضامن بين الشعوب والأمم إذ انه شكل إطارا هاما لتبادل الآراء والأفكار ولاستخلاص العبر والدروس من اجل اقتحام مرحلة جديدة من التعاون الدولي تقر بكونية القضايا المطروحة وبالحاجة الملحة إلى تأسيس شراكة دولية للحوار والتعاون والسلم تنبذ نعرات التفوق العرقي ومركبات الغرور الحضاري والثقافي وتبنى على الاحترام المتبادل