لا تبدو مفردة «السياحة الثقافية» متأصلة في ممارساتنا السياحية داخل المملكة وخارجها رغم الارتباط الوثيق بين الثقافة والسياحة، والتأثير المتبادل لكل منهما على الآخر، ودورهما التكاملي في التنمية، والارتقاء بالوعي الحضاري والإنساني للفرد، وفي إثراء التفاعل المعرفي بين الشعوب، وذلك من خلال ما يتركه السفر والترحال من أثر في ذهنية الفرد ونظرته للعالم من حوله، وفي إعادة تقييم مفاهيمنا الأنثروبولوجية والتاريخية والاجتماعية عن ذواتنا نحن، وعن الآخرين المختلفين عنا دينا وثقافة وطقوسا وعادات وممارسات. وفي ذلك يقول الشاعر الإنجليزي/ الأمريكي ت.س.إليوت T.S.Eliot وهو يدعو البشر هاتفاً: «ارتحلوا.. انطلقوا أيها الرحالة.. فأنتم لستم نفس الأشخاص عند بدء الرحلة!!»
ويمتد ذلك الأثر، ويتعدى المستوى الشخصي لتجربة السفر أو التجربة السياحية حين يكون المسافر مثقفا وواعيا زاده البحث عن المعرفة.. راحلته الصبر والتأمل، ومتعته استقراء التاريخ والوقوف على الأطلال الشاهدة على المنجز البشري الحضاري والثقافي.. يجوب العالم ويقطع الفيافي حاملا كاميرته وقلمه. وقد يدون السائح المثقف مشاهداته وانطباعاته، ومغامراته، واكتشافاته، ويجمعها بعد عودته بين دفتي كتاب يصبح في أيدينا هو الرحلة، وهو السفينة التي نبحر معها، وتسافر بنا في كل صفحة إلى مدائن بادت، وعواصم سادت.
والسياحة الثقافية هي الرافد المعرفي والوجداني والتاريخي لكتب أدب الرحلات، وخاصة كتابات الرحالة الغربيين والتي غالبا ما أخذت طابعا معرفيا وثقافيا ونهما فطريا لاستكشاف مواطن الحضارات القديمة، وانبهارا بكل ما هو غريب ومختلف؛ وهو مما تفتقده أسفار ورحلات معظمنا ذات الصبغة الترفيهية فقط. في كتب الرحالة وأدب الرحلات يصبح القارئ سائحا ثقافيا، ويصبح الكاتب ربان السفينة وقائد قافلة الترحال التي تحط هنا وهناك، نسبح معه ونختلط بالناس مثله، ونستعير منه عينيه وكاميرته لنستنسخ تجربته. وبعدها تنهمر الأسئلة، وتبدأ مرحلة المراجعة والتأمل في تنوع خلق الله وحكم الكون وأسراره، والتفكر في عبر التاريخ وقصص الحضارة.
الثقافة السياحية هي الانفتاح على فسيفساء الطقوس والعادات والفلكلور لشعوب العالم، واحترامها. وفي نفس الوقت محاولة التقارب معها باختلاف مشاربها وتنوع ثقافاتها، والعمل على استقطابها سياحيا. - وخاصة النخب المثقفة والمؤثرة جماهيريا - لإطلاعها على تاريخنا وتراثنا وثقافتنا وما لدينا من شواهد حضارية وآثار تاريخية، وإبراز عاداتنا وتقاليدنا المتنوعة والمختلفة، لتنقل الصورة الحقيقية عنا وعن بلادنا، وتصحح في مدوناتها الصور المغلوطة التي خلقها الإعلام المؤدلج، وكرستها بعض كتابات الرحالة المستشرقين، والخلافات السياسية.